موقف فريد في زمنه، زمن قتل الطامع أخوته في سبيل الملك، وتنمر الابن فيه للأب، وضاعت فيه مُثُل الإسلام العليا إلا من فئة قليلة، ظلت محافظة على تعاليم الحنيفية السمحة، تمثلت في أصل عبد الرحمن وفرعه وعين الله ترعاهم، وتوجههم إلى الطريق المستقيم.
تمت البيعة لعبد العزيز، وأصبح قريبا من الله، متحملا مسئولية من تولى أمرهم، فليضاعف النشاط، وليسهر على راحة رعيته، وليتجه إلى ربه، يطلب منه العون والمساعدة والتوفيق.
لو أسرع ابن الرشيد إلى الرياض بجيوشه الجرارة، وقوته الكبيرة لتغير وجه التاريخ، ولقضى على تلك العصابة التي أخذت على عاتقها نشر الدعوة، وإقامة حدود الله.
قال الإمام عبد العزيز:
"أما ابن الرشيد، فقد أشار عليه بعض رجاله بأن يسير من "ثادق"ويضبط الحفر، ولكنه رفض، والحقيقة لو أطاع رأي قومه، ورحل إلى الحفر، لكانت ضربة قوية علينا "[٨] , ولكن الله شغل ابن الرشيد بآماله، وتطلعاته التي دار في فلكها، وشغلته عما سواها، فهو يخطط ليستولي على الكويت، فقد طغى عليه التفكير في امتلاكها، وأخذها من الشيخ مبارك، وحسبها هي الأصل، والرياض هي الفرع, وإذا امتلك الأصل، فإن الفرع يأتي إليه بأقل جهد.
لقد مناه الأتراك بالمساعدة، ورسموا له كيفية الاستيلاء على الكويت، ولكنه ما كاد يقترب منها، حتى كان له الإنجليز -حلفاء الشيخ مبارك- بالمرصاد، فقد قضوا على آماله وتطلعاته، وأخيرا وبعد فوات الوقت، عرف أنه أمام قوة لا قبل له بها.
كان كلما ذكروا له عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، واستيلاءه على الرياض، أجاب بلا مبالاة، وأظهر عدم الاهتمام بهذا الاستيلاء، وأن الأمر لا يستحق أقل مجهود، وحينما ألحوا عليه في الذهاب إليه، قال المثل المشهور وهو غير مكترث:"أرنبة محجرة وأهلها مقيمون "أي أنه يستطيع أي يوم شاء أن يخرج عبد العزيز من الرياض" [٩] .