وما إن سكن الليل، وهدأ كل شيء، واستسلم الجيش والأمير القائد للنوم، وإذ بخطة خالد تبدأ في التنفيذ وإذا بالأصوات تملأ عنان السماء تنادي:"الجنة.. الجنة.. الجنة "، ودارت معركة رهيبة، استخدمت فيها مختلف الأسلحة، وكان في مقدمتها السلاح الأبيض، واختلط الحابل بالنابل، وصار جنود الأمير عبد الله يضرب بعضهم بعضا في وسط الظلام على غير هدى، ووصل خالد بن لؤي إلى مخيم الأمير، وأحاطوا به من كل جانب يريدون قتله، فاستيقظ من نومه مذعوراً، فشق له خادمه الخيمة، وخرج منها، وأقبل على فرس فامتطاه بملابس نومه، وأطلق له العنان، ولم يتوقف به العَدْو إلى أن بلغ الطائف، وكانت نجاته من تلك المجزرة التي لم ينج منها إلا النزر القليل من رجاله أعجوبة الأعاجيب.
أما الذين نجوا من المعركة، ومن المذبحة، ولم يستطيعوا الفرار، فقد التجأوا إلى حصن من الحصون القريبة، فهجم عليهم جيش خالد وابن بجاد في اليوم التالي، فجعلوا خاتمة المذبحة كأولها.
تراكمت الجثث بعضها فوق بعض، ولم ينج إلا من سابق الريح، ومن انضم إلى جيش خالد، وكان أكثرهم من عتيبة، وكان عدد القتلى خمسة آلاف، بينما خسر خالد وابن بجاد من جنودهما حوالي خمسمائة، أربعمائة من رجال الغُطْغُط، ومائة من أهل تربة والخرمة. تمت هذه المعركة التي قضت على كل آمال الشريف، والتي قصمت الظهر، ليلة ٢٥ شعبان ١٣٣٧ هـ على مقربة من تربة، واستولى خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد ومن معهما على معدات جيش الشريف وذخائره، وكان أكثرها لم يزل في صناديقه [١٧] .