للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حقيقة إن الذي كان يشغل الإمام الخوف من التدخل الأجنبي، ومن إثارة الرأي العام الإسلامي في الخارج.

"إنني إذا أمنت من جانب تدخل بريطانيا في الأمر من أجل الشريف، فما يدرينا لعلها تتدخل فيما بعد من أجل العالم الإسلامي إذا أنا بسطت نفوذي على الحرمين الشريفين، وحاولت إقامة الدين الحق، ولذلك فلا بد أن أنتظر، وأنتظر طويلاً حتى يأذن الله لي وهو خير الحاكمين" [٢٠] .

ولكن الله مؤيده وناصره، ومن كان الله معه، فكل شيء يهون، وكل الأمور تحل بتوفيقه سبحانه وتعالى، وقد بدأ هذا التوفيق بأن أرسلت له جمعية الخلافة المعروفة بشدة تعصبها للدين، وللدولة العثمانية تطالبه بتحرير الحجاز من المظالم، وأن يعمل على عقد مؤتمر إسلامي يقرر فيه مصير البلاد.

وكان أول الغيث قطرة، استراح لها قلب الإمام، وهدأت نفسه قليلاً، وحمد الله سبحانه وتعالى، ولكنه مازال يفكر في مخرج مما قد يحدث، وإذا بالبشير يجيئه ليقول له: "إن جيش خالد بن لؤي وسلطان بن بجاد قد دخلا مكة ملبياً طائعاً كما يريد من غير إراقة قطرة واحدة من الدماء، ودون أن يلحق بأحد من جيرة بيت الله أي أذى" [٢١]

سجد الإمام لله شاكراً، معدداً فضله عليه، وكرمه له، ثم شرع رحمه الله في الإعداد ليتوجه إلى مكَة فكتب إلى جميع ملوك المسلمين وأمرائهم يشعرهم بسفره إلى مكة المكرمة غير باغ ولا آثم، وأنه عازم على عقد مؤتمر هناك، يفكر فيما يراه كفيلا بتوطيد الأمن، ونشر السلام.

وجمع كبار قومه ومعهم العلماء، وخطب فيهم خطبته التاريخية.

بدأ الخطبة بحمد الله والصلاة والسلام على نبيه.... وكان مما قاله:

"إني مسافر إلى مكة لا للتسلط عليها، بل لرفع المظالم التي أرهقت كاهل عباد الله، إني مسافر إلى حرم الله لبسط أحكام الشريعة وتأييدها؛ فلن يكون بعد اليوم سلطان إلا للشرع، الذي يجب أن تطأطأ جميع الرءوس له.