لقد كان الإمام رحمه الله يخاف من تدخل قوة خارجة عن المنطقة، ويرى أن ما أصاب الدعوة ورجالهَا من كوارث في الماضي كان بسبب تدخل هذه القوة، وأنه يسير بتؤدة وتأن وصبر، ليفوت على الجميع أمراً قد لا تحمد عقباه، ومن هنا نرى براعة الإمام في معرفته ووعيه للتاريخ، ودراسة أحداثه، والخوف كل الخوف أن يتجمع الصليبيون مرة أخرى مع المسلمين الجاهلين بأمور الدين وتشريعاته، ولكنهم والحمد لله كانوا مشغولين بأمورهم، ففرنسا منصرفة إلى حروبها ونتائجها، وتركيا أصبحت وليس لها من الأمر شيء، أما الإنجليز الذين يهمهم أمر المنطقة، والذين يعتقد الشريف أن لهم التأثير الكبير، ويرى أنهم يستطيعون أن يمدوا له يد العون والمساعدة، فإنهم يدورون في فلك مصلحتهم وحدها، وقد يكونون معك، ولكن حينما لا يرجون الخير منك، فإنهم سينصرفون عنك حتما، ولقد كانوا في طريق الانصراف عن الشريف، حينما رأوا أن التوفيق تخلى عنه.
لقد هال الشريف ما حدث في تلك المأساة المروعة، وحار فيما يفعل، وأخيراً استغاث بحلفائه الإنجليز الذين أخذتهم الشفقة والرثاء لحاله، وأرادوا أن يفعلوا له شيئاً، فأرسلوا إلى الإمام هذا الكتاب:
"ترجوكم حكومة جلالة الملك -ملك الإنجليز- أن تعودوا إلى نجد عند وصول هذا الكتاب إلى أيديكم، وتتركوا تربة والخرمة منطقة حرة، وغير مملوكة لأحد، حتى عقد الصلح، وتحديد الحدود، وإذا لم تعودوا فإن حكومة بريطانيا تعدّ كل اتفاق بينكم وبينها ملغى، وتتخذ ما يلزم من التدابير ضد حركاتكم العدوانية، ونأسف كل الأسف لما حصل بين أصدقائها، وكانت ترجو ألا يقع"[١٩] .
كانت الحكمة تقضي بأن يتريث الإمام حتى تهدأ العاصفة فيتجه بجيشه إلى الرياض، وقد كان هذا ما قام به فعلاً، فأخذ طريقه إلى العاصمة، بعد أن حذر رجاله من عدم التحرك حتى تحين الفرصة وهى قريبة إن شاء الله.