أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم هؤلاء المؤمنين ما ينزل عليه من القرآن الكريم بعيداً عن أعين المشركين، واتخذ دار الأرقم بن الأرقم مركزاً لبث الدعوة فكانت أول مدرسة في الإسلام، كان يلتقي بالمؤمنين سراً في هذه المدرسة أوفي شعاب مكة أثناء الليل أو في الهاجرة، فيحفظهم القرآن الكريم ويثير فيهم الفكر بالتأمل في آيات الله والتدبر في مخلوقاته، ويعوّدهم الصبر على الأذى وبروّضهم على الطاعة والانقياد لأوامر الله حتى خلصوا لله العلي القدير، وكان أثناء ذلك يتصل بالعرب سراً يبلغهم الرسالة [١] فاستجاب نفر غير قليل من قريش الظواهر التي كانت تتألف من بطون قريش المستضعفة وحلفائها [٢] وكان صلى الله عليه وسلم يرسل لمن يدخل في الإسلام من يعلمه القرآن ممّن أسلموا من قبل وفقهوا في الدين، فقد أرسل مثلاً خباب بن الأرت يعلم زينب بنت الخطاب [٣] .
المرحلة الثانية: الدعوة جهرا:
نضج الصحابة السابقون في الإسلام وأصبحت عقليتهم عقلية إسلامية ونفسيتهم نفسية إسلامية، وأصبح إدراكهم لصَلتهم بالله بارزة آثاره على أعمالهم، فنزلت الآية الكريمة:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} . (سورة الشعراء: ١٤) . فجمع صلى الله عليه وسلم قومه من بني عبد المطلب وكانوا يومئذ أربعين رجلا، واتبع معهم ضروب الملاينة، وتحدث معهم في لطف وشرح لهم الدعوة في بساطة وعطف فقال لهم:
"إني ما أعلم شاباً جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، فلقد جئتكم بخير الدنيا والآخرة"[٤] .