وقد أرجع جورجي زيدان أسباب انتشار الإسلام في يثرب إلى كثرة من في المدينة من اليهود وهم أهل كتاب يعتقدون الوحي ويدركون معنى النبوة، وليس فيهم من يخاف على تجارته إذا بطلت عبادة الأصنام، بل هم يفضلون إبطالها لتسقط مكة وتنهض مدينتهم وخصوصاً إذا هاجر إليها صاحب الدعوة نفسه وصارت مركزاً للدين الجديد [٣٤] . وكأن جورجي يحاول أن يثبت أن الذين استجابوا لدعوة الإسلام كانوا من اليهود، وواضح أن ذلك بعيد عن الحقيقة ومجافٍ لها فاليهود أول من وقف في وجه الدعوة الإسلامية، كما أن نص الطبري السابق يوضح أن استجابة الأوس والخزرج كانت بناءاً على قنَاعتهم بصحة ما حدثهم به اليهود.
كما حاول جورجي أن يرجع الاستجابة إلى أثر العصبية الجاهلية فيقول:"ناهيك بما كان بين تينك المدينتن من المنافسة والمسابقة والتحاسد لتباعدهما في الانساب، لأن أهل مكة من العدنانيين وأهل المدينة من القحطانين ... [٣٥]
ولسنا نريد تفنيد هذه المزاعم فهي واهية ويكفي أن نذكر من مظاهر العلاقة الحسنة بين المدينتين المصاهرات التي تمت بين قريش وأهل المدينة، ثم محاولات الأوس قبل بعاث أن تستنجد بقريش ضد الخزرج فرفضت قريش حتى لا ترضى فريقاً دون آخر.
والحق أن استجابة الأوس والخزرج للإسلام كانت لحسن إدراك الزعماء فيهما لدعوة الإسلام نكاية باليهود، ومحاولة للتخلص من استغلالهم الاقتصادي وللتخلص من فتنهم ودسائسهم ومن حليفهم الذي رشحته لحكم المدينة، ثم لا ننس أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في عرض دعوته عليهم واجتذابهم. وإذا أراد الله أمراً هيأ أسبابه.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه
كان صلى الله عليه وسلم في سفر فأمر بذبح شاة، فقال رجل: "يا رسول الله عليّ ذبحها"، وقال آخر: "عليّ سلخها"، وقال ثالث: "عليّ طبخها"، فقال صلى الله عليه وسلم: "وعليّ جمع الحطب".