للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علم الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فخرج من داره ليلاً بعد أن ترك عليا ليقوم بتأدية الأمانات، وشق طريقه مع صاحبه أبي بكر- رضي الله عنه- إلى المدينة المنورة لتتشرف باستقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبدأ الدعوة مرحلة جديدة مليئة بالكفاح والنضال والجهاد.

وقد يتساءل المرء عن استجابة يثرب لدعوة الإسلام وللإجابة على ذلك:

كان نشاط الأوس والخزرج الاقتصادي والسياسي قد اتسع، فلجأ اليهود إلى الدسّ والوقيعة بينهما وأخذوا يحالفون القبيلة المهزومة على المنتصرة حتى تضعف شوكتها فيحتفظون بالسيادة واحتكار الموارد الاقتصادية، وكانت يوم (بعاث) آخر حرب عنيفة بين الأوس والخزرج فشعر الفريقان بالخطر فاتفقا على أن يضعا حدّاً لهذه المآسي، وشعر اليهود مقدار الخطر الذي يهدد مصالحهم من جرّاء هذا التقارب فاتبعوا أسلوب الدسّ الذي برعوا فيه وتمكنوا أن يرشحّوا عميلهم عبد الله بن أبي، ليكون ملكاً على الأوس والخزرج.

ولا ريب أن بعض المستنيرين من الأوس والخزرج أدركوا ما ينطوي عليه تتويج عبد الله من محافظة على مصالح اليهود حلفائه فأسرعوا لتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم لإنقاذهم فبايعوه.

كما كان أهل يثرب قد ألفوا فكرة المسيح [٣٢] المخلص الذي ينتظر اليهود عودته فكان اليهود يستفتحون به على الأوس والخزرج بقولهم: إن نبيّاً الآن مبعوث قد أطلّ زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم، فسارع الأوس والخزرج لتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال النفر الذين بايعوا بعضهم لبعض: "تعلمنّ والله أنه للنبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه" [٣٣] .