أما النص الذي أورده الطبري عن سيف، والنص الذي أورده مجير الدين عن سيف أيضاً وعن آخرين، فبالرغم من ورود بعض الاختلافات بينهما، إلا أنه من المرجح أنهما أخذا عن مصدر واحد، وإن مجير الدين قد أخذ عن الطبري، مع بعض التصرف في النص, هذه واحدة، أما الثانية فهي أن ما ورد فيهما من تحفظات وشروط قصد بها مصلحة النصارى، كالتعهد بعدم هدم الكنائس، وعدم إكراههم على دينهم، وعدم مساكنة اليهود لهم بالقدس، وغيرها [١٣] ، يدعو للشك فيهما، ومما يقوى هذا الشك أنهما وردا مفصلين ومطولين، مع أن عهود المدن الأخرى جاءت مختصرة وبسيطة، بالغة البساطة كعهد حمص, ومما يؤكده أيضاً أن الطبري ومجير الدين الذي نقل عنه، أشارا إلى أنه أعطي لأهل القدس في الجابية، مع أن المشهور أنه أعطى لهم في القدس نفسها [١٤] ، كما أن التحفظات المذكورة تنافي الواقع ولم تذكر الروايات الأولى ما يؤيدها. ومن المحتمل أن هذا العهد قد وضع في فترة لاحقة حيث يذكر الدكتور عبد العزيز الدوري "أن الأمر لم يخل من ادعاءات يهودية"[١٥] . كما تدعي رواية يهودية بأن اليهود طلبوا من عمر بن الخطاب السماح لهم باستقدام مائتي عائلة يهودية من مصر للسكن في القدس، ولكن البطريق صفرونيوس عارض ذلك، فسمح عمر بن الخطاب لسبعين عائلة بالحضور من مصر وأسكنهم جنوب الحرم [١٦] القدسي. ويسهل كشف كذب هذا الادعاء ببساطة، فمصر قد فتحت بعد فتح القدير بأربع سنوات.
ومن المحتمل أن عبارٍة "ألا يساكنهم فيها اليهود" المذكورة في النصين إنما تدل على أن القدس كما هو معلوم تاريخيا كانت خالية من اليهود، ولم يشأ النصارى أن يسكنها اليهود من جديد تحت حكم المسلمين. وليس كما فسرها اليهود سن أن اليهود كانوا يسكنون في القدس, واشترط النصارى على المسلمين إخراجهم منها.