أما النص الذي أورده ابن عساكر، والذي أورد مجيرالدين نصاً يشبهه بالإضافة للنص المذكور سابقاً، فمن المستبعد جداً أن يكون صحيحا، بالإضافة إلى أنه يفيد بأنه وضع لأهل الشام عامة وليس لأهل القدس خاصة كما ذكر مجيرالدين. كما أنه من المستغرب أن يضع المغلوبون الشروط التي يرتضونها لينعقد الأمان لهم على يد الغالب، كما أنه من غير المنطقي أن يتعهد النصارى بعدم قراءة القرآن في الوقت الذي يستشهدون بآية منه في النص نفسه {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} . ويلفت النظر أيضاً اختلاف هذا النص المطول عن عهود المدن الأخرى التي كانت بالغة البساطة، وإنه نص يدل على وجود صلات قوية بين المسلمين والنصارى أقوى من الصلات الفعلية التي كانت في مستهل أيام الفتح, وأنه احتوى شروطاً لأمور لم تكن موجودة في ذلك الزمن، كجز المقادم وشد الزنانير ونقش الخواتم والتكني بكنى المسلمين ... ويبدو أن مثل هذا النموذج من العقود كانت تضعه المدارس الفقهية الإسلامية لتصور واجبات وحقوق لأهل الذمة كالنموذج الوارد في كتاب الأم للشافعي [١٧] .
من هذا كله نرى أن هذه الروايات لنصوص العهود المسماة بالعهدة العمرية قد وسعت وطورت على الزمن تبعاً لتطور أحوال أهل الذمة منذ عهد عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد والمتوكل إلى عهود بعدها لأنها احتوت شروطاً لأمور لم تكن موجودة أو معروفة زمن الفتح، فطورت من نصوص مختصرة، أقرب ما تكون للحقيقة، كنصوص اليعقوبي، وابن البطريق وابن الجوزي، إلى نصوص مطولة تحتوي شروطاً مستهجنة كنص الطبري ومجير الدين [١٨] أو نص مختلف في الصيغة والشروط والمحتويات كنص ابن عساكر [١٩] .