للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنكر عليهم ووبّخهم أن لا ينظروا بعيونهم نظراً يصحبه التدبر والتفكر والاعتبار إلى هذه الإبل كيف خلقت خلقاً بديعاً فريداً لم يأت على سنن غيرها من الحيوان الداجن: فلحمهَا يؤكل، ولبنها يشرب، وفي أوبارها وجلودها منافع كثيرة، ثم هي ركائب أسفار طويلة مضنية، وحاملات أثقال إلى بلاد دانية ونائية، صبور على الجوع والعطش أياما وليالي، طعامها سهل المنال، وقيادها هيّن لينّ لا يعرف جماحا ولا نفورا.

وإلى السماء كيف رفعت من فوقهم عالية بعيدة في علاها، لا تقوم على عمد، وليس فيها من فطور، زانها القمر والشمس والنجوم، فما أجمل وما أروع وما أعظم!!.

وإلى الجبال كيف نصبت من فوق الأرض أشكالا عجيبة وأحجاما غريبة وألوانا مختلفة، منها ما يملأ النفس بهجة وسرورا, ومنها ما يملأ القلب هيبة وجلالا، ومنها ما هو جمال ومتاع، ومنها هو رعب وخوف وفزع، بعضها أجرد أقرع عريان عابس، وبعضها مكسوّ بالشجر والزهر والنبات الأخضر، من قممها تتفجر الأنهار، وعلى سفوحها تسيل العيون.

وإلى الأرض كيف سطحت، فقطع خضر لا يمل منها بصر، وصحارى واسعة تحبو على وجهها الرمال، وتطير في أجوائها العواصف، وأنهار تدفّق فيتدفق على ضفافها المدن العامرة والجنان الناضرة، وعيون جارية فتجري الحياة في النبت والأنعام وبني آدم، وبحيرات في جنبات الأرض صغيرة وكبيرة، وجزر كثيرة هنا وهناك مبعثرة، وأبحر ومحيطات يطول في أوصافها ومنافعها وألوان جمالها الحديث والبيان.

إن الأعين التي تنظر، والقلوب التي تبصر، والعقول التي تفكر وتعتبر، إنها لو نظرت بتأمل، وأبصرت بتدبر، وفكرت بدقة وعمق لأدركت أن القادر على خلق هذه الأشياء التي لا ينظر إليها كفار مكة بتدبر وتفكر قادر على إخراجهم وإخراج الناس جميعا أحياء يوم القيامة وإدخال المنكرين منهم نار جنهم وبئس المصير.