· قوله تعالى:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} الآية، هذا الكلام الذي قالوه بالنظر إلى ذاته كلام صدق لا شك فيه؛ لأن الله لو شاء لم يشركوا به شيئا ولم يحرموا شيئا مما لم يحرمه كالبحائر والسوائب وقد قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا} , وقال:{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} , وقال:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} , وإذا كان هذا الكلام الذي قاله الكفار حقا فما وجه تكذيبه تعالى لهم بقوله:{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ} ، ونظير هذا الإشكال بعينه في سورة الزخرف في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ} .
والجواب أن هذا الكلام الذي قاله الكفار كلام حق أريد به باطل فتكذيب الله لهم واقع على باطلهم الذي قصدوه بهذا الكلام الحق، وإيضاحه: أن مرادهم أنهم لما كان كفرهم وعصيانهم بمشيئة الله وأنه لو شاء لمنعهم من ذلك فعدم منعه لهم دليل على رضاه بفعلهم فكذبهم الله في ذلك مبيّنا أنه لا يرضى بكفرهم كما نص عليه بقوله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} , فالكفار زعموا أن الإرادة الكونية يلزمها الرضى وهو زعم باطل بل الله يريد بإرادته الكونية ما لا يرضاه بدليل قوله:{خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} مع قوله: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} والذي يلازم الرضى حقا إنما هو الإرادة الشرعية والعلم عند الله تعالى.