وقال بعض العلماء: هذه الآية الجليلة من جملة الآيات التي صدعت بتحدي الكافرين بالتنزيل الكريم. وقد تحداهم الله في غير موضع منه فقال في سورة القصص:{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} , وقال في سورة الأسراء:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} , وقال في سورة يونس:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .
وكل هذه الآيات مكية. ثم تحداهم أيضاً في المدينة بهذه الآية:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ... } الآية.
فعجزوا عن آخرهم، وهم فرسان الكلام، وأرباب البيان، وقد خصوا من البلاغة والحكم بما لم يخص به غيرهم من الأمم، جعل الله لهم ذلك طبعاً وخلقة وفيهم غريزة وقوة. يأتون منه على البديهة بالعجب ويدلون به إلى كل سبب, فيخطبون، ويمدحون، ويتوسلون، ويتوصلون، ويرفعون، ويضعون، فيأتون بالسحر الحلال... ومع هذا فلم يتصد لمعارضة
القرآن منهم أحد، ولم ينهض- لمقدار سورة منه - ناهض من بلغائهم، ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط والمضارة ... وقد جرد لهم النبي صلى الله عليه وسلم الحجة أولا، والسيف آخرا, فلم يعارضوا إلا السيَف وحده، وما أعرضوا عن معارضة الحجة إلا لعلمهم أنهم أعجز من المعارضة وبذلك يظهر أن قوله تعالى:{وَلَنْ تَفْعَلُوا} معجزة أخرى، فإنهم ما فعلوا, وما قدروا ...
وحيث عجز عرب ذلك العصر فما سواهم أعجز في هذا الأمر ... فدل على أن القرآن ليس من كلام البشر، بل هو كلام خالق القوى والقدر، أنزله تصديقاً لرسوله، وتحقيقا لمقوله [٧] .