قال الإمام ابن جرير رحمه الله بعد أن ذكر أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}(البقرة:١٥) . والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا أن معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزئ للمستهزأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً وهو بذلك من قبله وفعله به مورثه مساءة باطنا وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر فإذا كان ذلك كذلك وكان الله جل ثناؤه قد جعل لأهل النفاق في الدنيا من الأحكام بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار بالله ورسوله وبما جاء به من عند الله الذي أدخلهم في عداد من يشمله اسم الإسلام وان كانوا لغير ذلك مستبطنين أحكام المسلمين المصدّقين إقرارهم بألسنتهم بذلك بضَمائر قلوبهم وصحائح عزائمهم وحميد أفعالهم المحققة لهم صحة إيمانهم مع علم الله عز وجل بكذبهم واطلاعه على خبث اعتقادهم وشكّهم فيما ادّعوا بألسنتهم إنهم به مصدّقون حتى ظنوا بالآخرة إذ حشروا في عداد من كانوا في عدادهم في الدنيا أنهم واردون موردهم وداخلون مدخلهم والله جل جلاله مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام الملحقة هم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة إلى حال تمييزه بينهم وبين أوليائه, وتفريقه بينهم وبينهم, معدٌّ لهم من أليم عقابه ونكال عذابه ما أعدّ منه لأعدى أعدائه وشر عباده حتى ميّز بينهم وبين أوليائه فألحقهم من طبقات جحيمه بالدرك الأسفل. كان معلوماً أنه جل ثناؤه بذلك من فعله بهم وإن كان جزاء لهم على أفعالهم وعدلا ما فعل من ذلك بهم لاستحقاقهم إياه منه بعصيانهم له كان بهم بما أظهر لهم من الأمور التي أظهرها لهم من إلحاقه أحكامهم في الدنيا بأحكام أوليائه وهم له أعداء وحشره إياهم في الآخرة مع المؤمنين وهم به من المكذبين إلى أن يميز بينهم وبينه مستهزئا وبهم ساخراً ولهم خادعاً وبهم ماكراً إذ كان معنى الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل دون أن يكون ذلك معناه في حال