لقد عَرَّف الحاكم الحديث المرسل فقال:"إنّ مشايخ الحديث لم يختلفوا في أنَّ الحديث المرسل: هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي، فيقول التابعي: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلّم-[١٢] . وهكذا عبر ابن الصلاح تبعاً للحاكم.
يقتضي كلام الحاكم أن إرسال صغار التابعين ومتأخريهم يلحق بالمرسل، وإن كان ما يروون عمن أدركوه من الصحابة يسيراً، وجل رواياتهم إنما هي عن التابعين.
إنّ خلاصة أقوال المحدثين في الحديث المرسل بأنه: ما رواه التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- باتفاق على التابعي الكبير, واختلافهم في التابعي الصغير هل هو مرسل أو منقطع. وقد وافق المحدثين جماعة من الأئمة كابن فورك، أبي نصر بن الصباغ، أبى المظفر بن السمعاني، وكذلك القرافي.
أما مشايخ أهل الكوفة فيقول الحاكم عنهم:"بأن كل من أرسل الحديث من التابعين وأتباع التابعين ومن بعدهم من العلماء فإنه عندهم مرسل محتج به"[١٣] . وهذا قول معظم الحنفية إلا من أطلق الإرسال على قول الراوي من الأعصار الثلاثة الأولى: قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابه "الكفاية": "لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس، هو راوية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه، نحو رواية سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير ومحمد بن المنكدر والحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة وغيرهم من التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثابته في غير التابعين نحو رواية ابن جريج عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ورواية مالك بن أنس عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ورواية حماد بن أبي سليمان عن علقمة, وكذلك رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه كرواية سفيان الثوري، وشعبة عن الزهري، وكان نحو ذلك ما لم نذكره، فالحكم في الجميع عندنا واحد [١٤] .