قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: "وأحتجُّ بمرسل كبار التابعين، إذا أسند سن جهة أخرى، أو أرسله من أخذ من غير رجال الأول، أو وافق قول الصحابي، أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه"[٢٩] . أما أئمة الجرح والتعديل كيحي بن سعيد القطان وعلى بن المديني وغيرهما فوضعا قاعدة للتفصيل في قبول وردّ الحديث المرسل وذلك في التفريق بين من كان لا يرسل إلا عن ثقة، وبين من يعرف بإرساله عن كل أحد سواء كان ثقة أم ضعيفاً، فيقبل مرسل الأول ويرد مرسل الثاني. قال ابن أبى حاتم في بداية كتابه (المراسيل) : "كان يحي بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول هو بمنزلة الريح"[٣٠] .
إن عدالة كبار التابعين كسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومكحول وأمانتهم تحول دون روايتهم عن غير الثقة, فلا يستجيز هؤلاء الجزم بحديث إلا بعد التأكد من ثبوته وعدم وجود ما يقتضي القدح في المرسل, والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه كان يرسل إلى سعيد بن المسيب يسأله عن قضايا أبيه عمر- رضي الله عنه- وأحكامه مع علمه بأنه لم يدركه ولم يختلف عليه اثنان في قبولها منه مرسلة، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله:"إذا لم يقبل سعيد بن المسيب عن عمر فمن يقبل"[٣١] .
وإذا جاء المرسل من وجهين، وكل من الراويين أخذ العلم عن شيوخ الآخر، فهذا يدل على صدقه، فإن مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب، والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمداً وخطأ.