قال إمام الحرمين:"إذا قال أحد أئمة الجرح والتعديل حدثني الثقة أو حدثني من لا أتهم ونحو ذلك وكان ممن يقبل تعديله ويرجع إليه فهو مقبول محتج به بالرغم من إرساله؛ وذلك لأنه لا يقول ذلك إلا عند تحققه من ثقة ذاك الراوي وصدقه. وقد روى عروة بن الزبير لعمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له" فأرسله ولم يسنده، فقال له عمر بن عبد العزيز: "أتشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك؟ "فقال: "نعم أخبرني بذلك العدل الرضي", فلم يسم مَنْ أخبره، فاكتفى منه عمر بن عبد العزيز بذلك.
فالقول المختار في التفصيل هو أن من عرف من عادته أنه لا يرسل إلا عن ثقة عدل مشهور بذلك فمرسله مقبول ومن لم تكن عادته ذلك فلا يقبل مرسله، وبهذا القول يحصل الجمع بين الأدلة المتقدمة. فلا يمكننا إنكار قبول المرسل في الصدر الأول, وقد رد جماعة منهم الكثير من المراسيل، فيعزى قبولهم إلى الثقة بمن يرسل الحديث, وإلى هذا أشار ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: "كنا إذا سمعنا أحدنا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف".
وأما من يرسل عن غير المشهورين، وإن كانوا عنده ثقات فاحتمال جواز كونه ضعيفاً يبقى قائماً، ويندفع هذا الاحتمال ببعض الوجوه التي قالها الإمام الشافعي- رحمه الله- وبدونه لا يمكن اعتماد هذا المرسل.
(٥) رواة المراسيل والموارنة بينهم:
قال الحاكم: "وأكثر ما تروى المراسيل من أهل المدينة عن ابن المسيب، ومن أهل مكة عن عطاء بن أبي رباح، ومن أهل البصرة عن الحسن البصري، ومن أهل الكوفة عن إبراهيم النخعي، ومن أهل مصر عن سعيد بن أبي هلال، ومن أهل الشام عن مكحول" [٣٢] .