وقد صحح المحدثون مراسيل بعض الأئمة من التابعين، فمراسيل ابن المسيب في مقدمة المراسيل، قال الحاكم:"وأصحها مراسيل ابن المسيب لأنه من أولاد الصحابة، وأدرك العشرة، وفقيه الحجاز ومفتيهم، وأول الفقهاء السبعة الذين يعتد مالك بإجماعهم كإجماع كافة الناس"[٣٣] . أما مراسيل الشعبي، فقال أحمد العجلي:"مرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحا"[٣٤] . ومراسيل إبراهيم النخعي صحيحة إلا حديث "تاجر البحرين"و "حديث القهقهة"[٣٥] .
وينبغي أن يكون مرسل شريح القاضي أيضاً صحيحاً كمراسيل ابن المسيب والنخعي، فإنه مخضرم ثقة من أجل التابعين الكبار. أما مرسلات الحسن فقال ابن المديني:"مرسلات الحسن التي رواها عنه الثقات صحاح، ما أقل ما يسقط منها"[٣٦] ، وكذا مراسيل ابن سيرين صحاح أيضا.
وممن أرسل الحديث من ثقات التابعين: سعيد بن جبير، مجاهد، طاووس، عمرو بن دينار، ومرسلات مالك بن أنس أصحهم. واختلف في مراسيل الزهري لكن الأكثر على تضعيفها، قال يحي بن معين:"مراسيل الزهري ليست بشيء، وهو قول الشافعي أيضاً"[٣٧] .
خاتمة:
لقد تنازع الناس في قبول المراسيل وردها، فغالى البعض بالقبول بها مطلقاً وهذا غير مقبول؛ لأن هذا يؤدي إلى إزالة فائدة الإسناد، وغالى الآخرون برد المرسل مطلقاً، فرد بذلك شطراً من السنة ومصدراً من مصادر الأحكام الشرعية.
وأصح الأقوال أنّ منها المقبول، ومنها المردود، ومنها الموقوف، فمن علم أنه حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة: قُبل مرسله، ومن عرف أنه يرِسل عن الثقة وغير الثقة، فإن إرساله عمن لا يعرف فهو موقوف، وما كان ومن المراسيل مخالفاً لما رواه الثقات كان مردودا.
إنّ معيار نقد الحديث المرسل الذي تبنّاه كبار الفقهاء والأصوليين، كأبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والغزالي، والآمدي، وغيرهم- رحمهم الله - يؤكد على: