وهذا هو التوحيد الواجب على كل الخلق، وهو مبنيٌّ على أن الله واحد في إلهيته لا ندَّ له، وواحد في ذاته وصفاته وأسمائه لا نظير له، وواحد في ملكه وأفعاله لا شريك معه، فلابد أن يعبد الله وحده لا يشرك معه غيره، والشرك في العبادة: هو أن يجعل معه إِلهٌ آخر يتوجه إليه بنوع من أنواع العبادة، وهذه أقسام التوحيد الثلاثة، توحيد العبادة، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات, وهذا هو الدين الذي جاءت به الرسل من عند الله موجبين على الخلق أخذَهُ والإيمانَ به, وهو إخلاص التأله والتوجه إلى الله وحده، وعبادته بأسمائه وصفاته، وفعل أمره، واجَتناب نهيه.
ثمرة التوحيد
والتوحيد الخالص هو الذي يرفع نفوس معتقديه ويخلِّصُها من رقِّ الاغيار ويفك إرادتهم من أسر الرؤساء الروحانيين كما يسمون، وشيوخ الطرق الباطلة والدجل، والضلال والتعلقات بالأحياء والأموات، ويخلصها كذلك من إله المادة والتعلق بالطواغيت الماديين وكل مخلوق، فيطلق عزائمهم من قيود العبودية لغير الله والتعلقات بالأحياء والأموات، فيكون المؤمن مع الناس حراً عزيزاً كريماً، ومع الله عبداً خاضعاً ذليلاً خائفاً، فهذا الذي يجب على العبد أن يعتني به أشد الاعتناء، ويحذر أشد الحذر أن ينحرف عنه؛ لأن الانحراف عنه هو الهلاك المحتّم والخسران الأكبر والخلود في جهنم، مع أن أقسام التوحيد الثلاثة متلازمة ولكن توحيد الربوبية أمر فطري خلقي:"والرب: هو المربي الخالق الرازق الناصر الهادي"[٦] .