وقال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}(العنكبوت: ٦٣) . وآيات القرآن في هذا كثيرة، وهي تدل على أن الكفار يؤمنون بهذا القسم من التوحيد ولم يجعلهم ذلك مسلمين، بل فوق هذا كانوا يخلصون الدعاء لله- الذي هو توحيد العبادة - في حالة الاضطرار، ثم يعودون إلى شركهم في الرخاء، كما قال الله تعالى عنهم:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}(العنكبوت: ٦٥) . ومعنى قوله تعالى:{دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أنهم توجهوا إلى الله وحده بالعبادة، من الدعاء، والذل، والخضوع، والرغبة والخوف، والالتجاء، لعلمهم أن شركاءهم لا يملكون لهم نفعا، ولا يستطيعون دفعاً عنهم، وإنما الأمر كله بيد الله تعالى وحده والذي صيرهم مشركين وأوجب خلودهم في النار هم زعمهم أن أصنامهم ومن يتوجهون إليهم يشفعون لهم عند الله كما قال الله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}(يونس: ٢٨) , والمعنى أن الله لا يعلم أحدا يشفع عنده لهؤلاء لا من أهل السماء ولا من أهل الأرض؛ لأن الشفاعة لله وحده, ولا أحد يستطيع أن يشفع عنده حتى يأمره بذلك ويأذن له فيمن يشفع فيه، وإذا كان الله تعالى لا يعلم شافعا لهم لا في السماوات ولا في الأرض فالشافع لا وجود له.