روى الحاكم والدارقطني وابن مردويه: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة فرَّ عكرمة بن أبي جهل فركب البحر، فأصابهم عاصف، فقال أصحاب السفينة:"أخلِصُوا فإنّ آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئاً"، فقال عكرمة:"والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره, اللهم إنّ لك عليّ عهداً إن عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمداً حتى أضع يدي في يده فلا أجدنّهُ إلا عفوا كريماً", قال:"فنجا فأسلم"[٨] .
قال قتادة:"الخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك "[٩] .
المشركون اليوم أعظم شركاً ممن بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبهذا يتبيَّن سفاهة عقول مشركي هذا الزمان، وعظم شركهم، وأنه لم يصل إليه شرك السابقين. فمشركوا وقتنا هذا يُخلصون الدعاء وتزداد إنابتهم، ويتضاعف ذلّهم وخضوعهم لمن يعبدونه من دون الله تعالى ممن يدَّعون لهم بالولاية، عندما يقعون في الشدائد، والكربات، ويشركونهم مع الله تعالى حتى في الربوبية، ويجعلون لهم التصرف، والهداية وجلب النفع، ودفع الضر بخلاف مشركي العرب زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فما كان أحد منهم يدّعي ذلك لآلهته وإنما كانوا يقولون: إنها تشفع لهم عند الله، وتقربهم إليه تعالى، كما قال تعالى عنهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}(الزمر: ٣) , ومع ذلك لم يكن شركهم مستمراً في كل وقت كهؤلاء المشركين الذين يزعمون أنهم مسلمون، بل في وقت الشدائد يخلصون العبادة لله تعالى كما سبق بعض الأدلة على ذلك.