"وحال مشركي العرب مع أوثانهم معلومة، وأنهم إنما كانوا يعتقدون حصول البركة منها بتعظيمها ودعائها، والاستغاثة بها، والاعتماد عليها في حصول ما يرجونه منها ويؤملونه ببركتها وشفاعتها، فالتبرك بالصالحين وبقبورهم هو عين فعل المشركين باللات والعزى ومناة وسائر أوثانهم"[١٠] .
وهو العبادة التي أوجبت لهم الخلود في النار، وحرّمت عليهم الجنة، وأخبر الله تعالى أنه لا يغفر ذلك إلا بالتوبة منه وفعل التوحيد الذي هو ضده.
وتسمية هذه الأفعال تبركا، أو توسلا أو غير ذلك لا يغير من الحقائق شيئا، فالشرك: هو الاتجاه بالعبادة إلى غير الله مهما سمّي ذلك، (وهو نوعان: شرك في الربوبية وشرك في الإلهية) .
فالأول: إثبات فاعل مستقل غير الله تعالى كمن يجعل الإنسان مستقلاً بأحداث فعله مهما كانت مرتبته نبياً فما دونه، وكذا من يجعل الكواكب أو الأجسام الطبيعية، أو العقول كما تقوله الفلاسفة، أو النفوس كما يقوله عُبّاد القبور، أو الملائكة أو غير ذلك من المخلوقات، من جعل شيئاً من ذلك مستقلاً بشيء من الأحداث فهو مشرك في الربوبية.
"وكل ما سوى الخالق الواجب الوجود بنفسه مفتقر إلى غيره، فلا يتم به حدوث حادث، ولا وجود ممكن، وجمهور العرب لم يكن شركها من هذا النوع، بل كانت مقرة بأن الله خالق كل شئ وربه ومليكه، وإنما كان من الشرك في العبادة".