والنوع الثاني من الشرك: الشرك في الإلهية: وهو أن يجعل مع الله أحداً من خلقه يتوجه إليه في عبادته أو محبته أو خوفه أو رجائه أو إنابته أو أي نوع من أنواع العبادة، وضد هذا الشرك التوحيد في الإلهية: وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، فإن المشركين المقرين بأن الله رب كل شيء كانوا يتخذون آلهة يستجلبون بعبادتها المنافع، ويستدفعون بها المضار، ويتخذونها وسائل تقرّبهم إلى الله زلفى، وشفعاء يستشفعون بها إليه، وهذه الآلهة خلق من خلقه لا يملكون لأحد نفعاً ولا ضراً إلا بإذنه، فكل ما يطلب منهم لا يحصل منه شيء إلا بإذن الله تعالى، وهو عز وجل لم يأمر بعبادة غيره، ولم يجعل هؤلاء شفعاء ووسائل تقرب إليه، قال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}(الزخرف: ٤٥) , وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:٢٥) , وقال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . (يونس: ١٨) .
(والمعنى أن الله تعالى لا يعلم أن أحدا يشفع عنده لهؤلاء لا في السماوات ولا في الأرض فلا وجود لذلك ... )
فبين الله تعالى في هذه الآيات وغيرها أنه لم يشرع عبادة غيره، ولا أذن في ذلك، بل أخبر أنه لو كان في السماوات أو الأرض آلهة إلا الله لفسدتا، فإنه كما يمتنع أن يكون غيره ربّاً فاعلاً منصرفا، يمتنع أن يكون إلها معبودا) [١١] .