"والإنسان بل وجميع الكائنات عباد الله تعالى، فقراء إليه مماليك له، وهو ربهم المتصرف فيهم، وهو إلههم لا إله إلا هو، فالمخلوق ليس له من نفسه شئ أصلاً، بل نفسه وصفاته وأفعاله، وما ينتفع به أو يستحقه إنما هو من خلق الله تعالى. هو الذي أوجده ومَنَّ به، وفقر المخلوق وعبوديته أمر لازم له، لا ينفك عنه بحال، ولا وجود له بدونه, والحاجة ضرورية لكل المخلوقات؛ لأنها ملك لخالقها وموجدها إذ لا قيام لها بدونه، ولكن الناس أو أكثرهم تعزب قلوبهم عن شهود هذه الحاجة الملِّحة وهذا الفقر الاضطراري"[١٢] . وتشهد توحيد الربوبية العام، الذي تشترك في شهوده سائر المخلوقات، وهو أنه لا خالق إلا الله تعالى، فلا يستقل شيء سواه بإحداث أمر من الأمور، بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فكل ما سواه إذا كان سبباً فلابد له من شريك معاون، وضد معوق، فإذا طلب العبد من غير الله إحداث أمر من الأمور، فقد طلب منه ما لا يستقل به، ولا يقدر عليه وحده، حتى أفعال العبد الاختيارية لا يستطيع فعلها إلا بإعانة الله له عليها بأن يجعله فاعلا بما يخلقه فيه من الإرادة الجازمة، والقدرة على ذلك الفعل.
فمشيئة الله وحده هي المستلزمة لكل ما يريد، فما شاء كان، وما لم يشاء لم يكن وما سواه لا تستلزم إرادته شيئاَ، بل ما أراده لا يكون إلا بأمور خارجة عن مقدوره، إن لم يعنه الرب بها لم يحصل مراده، ونفس إرادته لا تحصل إلا بمشيئة الله تعالى كما قال تعالى:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
وبهذا يتبين أن السائل للمخلوق يسأله ما لا يستقل بملكه، هذا إذا كان المسؤول بمقدوره ظاهراً، فكيف إذا سأله مالا يقدر عليه أصلا مثل الشفاعة عند الله؛ لأنها لا تكون إلا بإذنه، ومثل هداية القلوب، وشفاء الأمراض ونحو ذلك.