فقد يقتل الرجل نفسا مؤمنة متأوِّلاً مجتهداً -كما كان من اقتتال الصحابة رضي الله عنهم- ويكون هذا الذنب في حقه مثل النقطة السوداء في بحر من الحسنات وأعمال التقوى.
وقد يقتله ظالماً معتدياً وليس له رصيد من الخير يكفِّر عنه هذا الجرم.
فليس هذان عند الحكيم الخبير سواء, وليس حكمهما في مذهب السلف واحدا.
وكذلك الفرق بين زانٍ وزانٍ، شارب خمر وآخر، وسارق وسارق، وآكل مال يتيم ومثله...
وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن شارب خمر, ومع هذا صح عنه النهي عن لعن الصحابي الذي شربها وجلده الحد فلعنه بعضهم فنهاه وشهد له بأنه يحب الله ورسوله.
فحب الله ورسوله في هذا المعيَّن مانع من تحقق الحكم المطلق فيه وهو الوعيد لشارب الخمر في الدنيا والآخرة.
وهكذا معاملة أهل القبلة في مجال العقيدة.
فإن أصحاب المناهج والفرق البدعية منهم من هو على الحد الأدنى منها وله مع ذلك علم وعبادة وجهاد وإخلاص في نصرة الدين, ومنهم من يكون رأسا في البدعة داعيا إليها بقصد وسوء نية بل وربما تكون هذه البدعة مجرد ستار لعقائد أخبث يضمرها في نفسه.
فمع اشتراك هذين في أصل المنهج وشمول الاسم لهما معا وتناول الوعيد المطلق لكل منهما يظل الفرق بينهما حقيقة قائمة لاشك فيها.
فالمنهج له حكمه والأفراد كلٌ بحسب حاله, وتقويم الفكرة في ذاتها غير تقويم حامليها كل على حدة.
حتى منهج السلف نفسه يتفاوت أصحابه فيه جدا فمنهم من هو في غاية التمسك به قولا وعملا واعتقادا ودعوة ومنهم من هو على الحد الأدنى منه.
بل نحن نقول إن بعض المنتسبين أو المنسوبين إلى مناهج بدعية ليس منهم أصلا ولكنه متوهم يحسب أنهم على الحق وإن الانتساب إليهم لا ضير فيه مع أنه لا يوافقهم في مذهبهم لو عرفه حق معرفته, أو أنهم مخطئون في نسبته لمذهبهم, ولو فتشنا لما وجدنا فيه مما يدعون شيئا.