ولهذا كانت هذه الأمة- ولله الحمد- أكثر أهل الجنة مع أن الفرقة الناجية منها واحدة فقط، وما هذا إلا لأن المعدودين حقا من الفرق الثنتين وسبعين لا يساوون بالنسبة لسلف الأمة وخلفها إلا نزراً يسيراً, أما من اتبعهم عن جهل أو خطأ أو حسن نية أو تأثر بهم دون أن يشعر فله حكم آخر. والله تعالى حكم قسط ورحمته أوسع وفضله أعظم.
والحاصل أن أحكام الآخرة ومنازل الناس فيها خاضعة لأمر أحكم الحاكمين وأعدلهم، أما نحن في الدنيا مأمورون أن نحكم على كل منهج أو فرد بما حكم الله به عليه من غير إفراط ولا تفريط ونتقيد بالضوابط التي جاءت في مذهب السلف.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله- في مناظرته للأشاعرة والماتريدية أثناء المحاكمة التي أشرنا إليها:
"فأجبتهم عن الأسئلة:
بأن قولي اعتقاد الفرقة الناجية، هي الفرقة التي وصفها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنجاة حيث قال: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
فهذا الاعتقاد (يعنى ما في الواسطية) هو المأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه- رضي الله عنهم- وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية؛ فإنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة بالأسانيد أنه قال: "الإيمان يزيد وينقص"، وكل ما ذكرته في ذلك فإنه مأثور عن الصحابة بالأسانيد الثابتة لفظه ومعناه, وإذا خالفهم من بعدهم لم يضر في ذلك.
ثم قلت لهم: وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا.
فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه, وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة، وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته.
بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا، كما يقال: "من صمت نجا"."ا. هـ.