للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا إنّ الفقهاء اتفقوا على أن الحيازة قرينة على الملكية لما تدل عليه شواهد الأحوال، غير أنّ الحيازة وحدها قد لا تضع حداً لكثير من المنازعات، وخاصة إذا كان الشيء المتنازع عليه في أيدي المتداعيين يستعملانه أو يتجاذبانه بحيث تكون يد كل واحد منهما عليه، لم يقف الفقهاء عند ذلك مكتوفي الأيدي إنما رجعوا للقرائن المرجحة، والقرائن المرجحة هي:

١ـ قرينة الاستعمال:

وفكرة هذه القرينة تقوم على أساس أنّ اليد دليل الملك كما قدمنا، فإذا تداعا اثنان في الشيء وكان في يد أحدهما، قدّم من كان في يده إذا لم يقدِّم المدَّعي بينة استحقاقه للشيء المتنازع فيه، فيترك لمن كان في يده، أما إذا تداعيا الشيء وكان في أيديهما، يقوم من كان استعماله للمال المحاز أظهر، ذلك أنَّ الحيازة تقوم على أساس استعمال المال والتصرّف فيه، إذ لا معنى لحيازة الشيء دون تصرف فيه، فالأموال جعلت للاستفادة منها. ومن تم قالوا: كلما كان أحد المتداعيين مستعملا للمال المتنازع فيه، ومتصرفا فيه تصرفا يميزه عن الآخر بحيث يجعل سيطرته عليه أكثر وأرجح، ترجح جانبه وقضى له بناء على قرينة استعماله لهذا المال.

ويظهر جليا اعتداد فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية بهذه القرينة في المسائل التي بحثوها في باب "مسائل الحيطان "أو باب "التنازع بالأيدي"أو باب "الشهادات"أو باب "الدعاوى والبينات ". ومن المسائل التي ظهر فيها اعتدادهم بهذه القرينة، قولهم: "إذا تداعيا حائطا وكان لأحدهما عليه جذوع ولا شيء للآخر يقضى به لصاحب الجذوع لأنه مستعمل للحائط والاستعمال دليل الصدق, وإذا تنازعا في دار يقدّم ساكن الدار على الذي لا يسكنها, ومن حفر فيها بئراً أو أحدث فيها بناءً يقدَّم على غيره, وإذا تنازعا دابة يقدَّم راكبها على المتعلق بلجامها.. كل ذلك مع الاستهداء بما يقضي به العرف وشواهد العادات في مثل هذه الأحوال" [٥٦]