ومن الذين اقتصدوا في الاعتداد بهذه القرينة ابن حزم الظاهري فيرى فيما ذكرنا أن يد المتنازعين متساوية فيقسم المتنازع فيه بينهما [٥٧] .
قرينة الصلاحية:
وتقوم فكرة هذه القرينة على أساس ترجيح أحد الجانبين بناء على صلاحية الشيء المتنازع فيه لأحد المتداعيين، يعني أن يكون ذلك الشيء ملائماً له بحسب العرف والعادة، كأن يكون أداة صنعته أو آلة حرفته، أومن مستلزمات مظهره حسب نفوذه أو مركزه في المجتمع وما عرف به بين الناس، ومن أمثلة ذلك الجلد للدباغ أو العطر للعطار أو السفينة للملاح أو الفرس للأمير وذي الجاه وغير ذلك من الأشياء التي تصلح لأحد الجانبين، في الوقت الذي يكون هذا الشيء ليس من مستلزمات أو أداة حرفة للجانب الآخر، وكما قلت إن أثر هذه القرينة يبدأ حينما يكون أيدي المتداعيين متساوية على الشيء المتنازع فيه.
وقد قال بالترجيح بهذه القرينة فقهاء المالكية والحنفية والحنابلة، ومنع من الترجيح بها الإمام الشافعي وابن حزم الظاهري بحجة أنَّ ذلك يخالف قاعدة الدعوى من أنّ كل من يدّعي حقا فعليه إثبات دعواه ولا ينظر لصلاحية المدّعى به له أو لغيره.
ج ـ في دعوى ملكية اللقطة أخذ الفقهاء بقرينة مطابقة الوصف دليلا على ملكية الواصف -بمعنى أن الواصف للقطة إذا ذكر وصفاً مطابقاً للواقع، جاز للملتقط تسليمه اللقطة- ومن ثم لا يلزمه ضمان المال إذا اتضح أنّ الواصف ليس هو المالك عند المالكية والحنابلة والظاهرية وهو الصحيح في نظري, ويلزم بالضمان عند الشافعية [٥٨] .
د ـ قرينة التهمة أدت إلى تقييد تصرفات المريض في مرض الموت، فلا تنفذ تصرفاته المنجزة سواء أكانت تبرعية أم بعوض إلا في حدود ثلث أمواله مراعاة لحق ورثته. خالف في ذلك ابن حزم الظاهري ولم يعتد بقرينة التهمة وجعل تصرفات المريض نافذة كتصرفات الأصحاء. ورأي الجمهور هو الظاهر الغالب [٥٩] .