وجاء الاستفهام في قوله تعالى:{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} جاء مفيدا العتب والإنكار: فقد عتب الله سبحانه وتعالى على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصيبهم الفزع والهلع وأن يفروا من المعركة حين قيل لهم في معركة أحد إن محمدا قتل، عتب عليهم ذلك وأنكره، فما كان ينبغي لهم أن يفعلوا ما فعلوا، كان يجب عليهم أن يثبتوا في المعركة وأن يدافعوا عن هذا الدّين الذي آمنوا به وبرسوله، سواء أكان حيا أم ميتا، فشريعة الله لا تموت بموت الرسول الذي بلّغها عن ربه، ودعا الناس إليها، فهي باقية إلى يوم القيامة يدافع عنها أتباعها الذين يؤمنون بها صادقن، ويجاهدون في سبيلها حتى النصر أو الشهادة.
وإعراب هذا الاستفهام:{أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} سهل واضح: فالفاء عاطفة، عطفت الجملة الشرطية التي بعدها على الجملة الخبرية التي قبل الهمزة و"مات"فعل الشرط فهو في محل جزم بـ "إن"و"انقلب"جواب الشرط فهو في محل جزم أيضا، والجار والمجرور "على أعقابكم"في محل نصب حال من فاعل انقلبتم، والتقدير انقلبتم راجعين.
وهذا الذي تقدم من أن همزة الاستفهام قد دخلت على "إن"الشرطية وقد استوفت شرطها وجزاءها هو مذهب سيبويه.
وذهب يونس إلى أنّ فعل "انقلبتم"ليس جواب الشرط، وإنما هو الفعل المستفهم عنه، فهو مدخول الهمزة فينوى به التقديم، وتقدير الكلام عند يونس: أتنقلبون إن مات أو قتل، وجواب الشرط عنده محذوف دلّ عليه مدخول الهمزة المتأخر لفظا المتقدم تقديرا، وعلى مذهبه تكون "إِنْ"مع شرطها معترضة بذهن الهمزة ومدخولها، وبرأي يونس أخذ كثير من المفسرين في هذه الآية.
ولكن أبا البقاء العكبري ذكر في كتابه "إملاء ما منّ به الرحمن" عند إعرابه هذه الآية أن مذهب سيبويه هو الحق لوجهين: