أحدهما: أنك لو قدّمت الجواب لم يكن للفاء وجه، إذْ لا يصح أن تقول أتزورني فإن زرتك، ومنه قوله تعالى:{أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} .
والثاني: أن الهمزة لها صدر الكلام، وإن لها صدر الكلام، وقد وقعا في موضعهما، والمعنى يتم بدخول الهمزة على جملة الشرط والجواب لأنها كالشيء الواحد"اهـ.
وقال الزركشي في كتابه البرهان: "وقد ردّ النحويون على يونس بقوله: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ، ولا يجوز في "فَهُم"أن ينوي به التقديم لأنه يصير التقدير: "أفهم الخالدون فإن مت"، وذلك لا يجوز لئلا يبقى الشرط بلا جواب، إذ لا يتصور أن يكون الجواب يدل عليه ما قبله، لأن الفاء المتصلة بإن تمنعه من ذلك، ولهذا يقولون:"أنت ظالم إن فعلت"، ولا يقولون:"أنت ظالم فإن فعلت"فدلّ ذلك على أن أدوات الاستفهام إنما دخلت لفظا وتقديرا على جملة الشرط والجواب". اهـ.
وجاء في شرح الرضيّ لكافية ابن الحاجب في النحو ما يؤيّد قول العكبري وقول الزركشي.
وبناء على رأي سيبويه ومن ذهب مذهبه يكون مصبّ الاستفهام ومورده هو جملة الشرط والجواب معاً، وعلى رأي يونس يكون مصبّ الاستفهام ومورده هو جواب الشرط وإن لم يسمه يونس جواباً.
الآية الثانية: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} . الآية (٣٤) من سورة الأنبياء.
تتضمن هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لم نخلِّد أحدا من بني آدم قبلك يا محمد فنخلّدك أنت، فلابدّ من أن تموت كما مات من كان قبلك، ولن يخلّد الله أحدا في هذه الدنيا، فكل نفس ذائقة الموت، وهؤلاء المشركون الذين يتمنون موتك ليشمتوا به هم ميتون على كل حال، فلا شماتة في الإماتة.