للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما أشد التكذيب والاستهزاء والسخرية على النفوس المؤمنة الأبية، إنها أشد عليهم من وقع السيوف ومن السجون والتعذيب ولقد عبر عن هذا المعنى الشاعر العربي بقوله:

وظلم ذوى القربى أشد مضاضة

على النفس من وقع الحسام المهند

ولقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: "هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة، قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره، بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربى إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [١٧] ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم، من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً" [١٨] .

وقد ذكرت كتب السيرة بعض أجوبة هؤلاء الساخرة ومواقفهم المزرية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم- عمد إلى نفر من ثقيف هم سادة ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة، عبد يا ليل ومسعود، وحبيب ... فجلس إليهم، فدعاهم إلى الله وكلمهم لما جاءهم له من نصرة الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة، إن كاَن الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا أرسله غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبداً، لإن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام، ولإن كنت تكذب على الله، ما كان ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يئس من خير ثقيف [١٩] .