والشاهد من الحديث، والقصة أن ما يلقاه الأنبياء من السخرية والاستهزاء ومن أذى المشركين السفهاء أشد على أنفسهم من كل بلاء حتى من المعارك الطاحنة التي تزهق فيها الأرواح وتراق فيها دماء أصحابهم الزكية. فلقد قتل يوم أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من سبعين شهيداً [٢٠] ، فيهم مصعب بن عمير [٢١] وحمزة بن عبد المطلب [٢٢] عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشُجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسرت رباعيته [٢٣] ، ولقي ما لقي هو وأصحابه من أذى المنافقين، ولقي ما لقي قبل ذلك وهو بمكة وفي يوم بدر وغيرها من المشاهد، ومع كل ذلك يرى أن أشد ما لقيه هو يوم الطائف، لأنه لقي من السخرية والاحتقار مالا تحتمله النفوس الأبية.
ومن هنا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل "[٢٤] فالأمثل ثم الأمثل هم الصالحون السائرون في منهاجهم في الدعوة إلى الله والداعون إلى ما دعوا إليه من توحيد الله وإخلاص العبادة له وحده، ونبذ الشرك بما سواه، وينالهم من الأذى والبلاء مثل ما أصاب أسوتهم الأنبياء.
ومن أجل هذا ترى كثيراً من الدعاة يحيدون عن هذا المنهج الصعب، والطريق الوعر، لأن الداعي الذي يسلكه سيواجه أمه وأباه وأخاه وأحبابه وأصدقاءه وسيواجه المجتمع وعداوته وسخرياته وأذاه، يحيدون إلى جوانب من الإسلام لها مكانتها ولا يتنكر لها من يؤمن بالله لكن هذه الجوانب ليس فيها تلك الصعوبة والشدة والسخرية والأذى خصوصا في المجتمعات الإسلامية فإن سواد الأمة الإسلامية يلتفّون حول هذا اللون من الدعاة ويحيطونهم بهالَة من التبجيل والتكريم لاَ سخرية ولا أذى اللهم إلا إذا تعرضوا للحكام وهددوا كراسيهم فإنهم حينئذ يقمعونهم بكل شدة كأحزاب سياسية تناوئ الحكام وتهدد عروشهم، والحكام في هذا الباب لا يحابون قريبا ولا حميما ولا مسلما ولا كافراً.