للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي أقتل من أردت قتله واستبقي من أردت استبقاءه. وهذا الجواب فيه تمويه وتضليل للأغبياء وحَيدة عن الجواب، لأن قصد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن ربه ينشئ الحياة في الإنسان والحيوان والنبات من العدم، ويردها إلى الأموات بقدرته وأنه هو الذي يميت الناس والحيوانات بآجالها بأسباب ربطها وبغير أسباب، فلما رآه إبراهيم يموه ويدجل تدجيلا ربما انطلى على الأغبياء والهمج، قال ملزما له بتصديق قوله إن كان كما يزعم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي وقف متحيراً مشدوها، منقطع الحجة قد ألقم حجرا وأخرس لسانه وزهق باطله، {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} .

وفى هذا درس لمن ألقى السمع وهو شهيد، إنها دعوة إلى التوحيد تمثل قمة الإخلاص والحكمة، والعقل، وتأتي البيوت من أبوابها وتنطلق من حيث أراد الله، لا مصارعة على الملك، ولا منافسة على الحكم، ولو كان هدف إبراهيم عليه الصلاة والسلام الوصول إلى الحكم لسلك منهجا غير هذا المنهج ولوجد من يلتف حوله ويصفق له ولكن يأبى الله وأنبياؤه وصالحوا الدعاة من أتباع الأنبياء حقا في كل زمان ومكان إلا سلوك طريق الهداية والرشاد وبيان الحق وإقامة الحجة على المكابر والمعاندين.

وقد قام إبراهيم عليه السلام بهذا الواجب العظيم على أكمل الوجوه وأتمها أقام الحجة على أبيه وقومه حكومة وشعبا، فلما رأى منهم الإصرار على الشرك والكفر والإقامة على الباطل والضلال لجأ إلى الإنكار والتغيير باليد والقوة.