فلما رأى إبراهيم أهواء جامحة وعقولا متحجرة، دبر لهم مكيدة ورسم لهم خطة حكيمة شجاعة لتحطيم آلهتهم وتم تنفيذ هذه الخطة بكل قوة وشجاعة وجرأة وأثار هذا العمل البطولي [٢٦] الحكومة والشعب ضده واستدعوه للمحاكمة العلنية، ووجهوا إليه الاتهام {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} فأجابهم بأسلوب تهكمي ساخر {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} فكان هذا الجواب التهكمي المفحم كالصاعقة العنيفة هوت على رؤوسهم المخبولة {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} ثم لما أعوزهم سلاح الحجة لجأوا إلى القوة سلاح كل عاجز عن الحجة في كل زمان ومكان، {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ِ ونجىّ الله خليله إبراهيم وردّ الله كيد الكافرين الخاسرين في نحورهم {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} .
وكان في نجاة إبراهيم من تلك النار العظيمة بعد أن حولها الله برداً وسلاما على إبراهيم آية عظيمة من أعظم آيات الله على نبوته وصدقه وصدق ما جاء به من التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك والضلال، وكافأ الله إبراهيم عليه السلام على هذه الدعوة الحكيمة وعلى هذا الجهاد والتضحية الرائعة {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ. وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(الأنبياء: ٧١- ٣ ٧) .