عاش هذا النبي الكريمٍ عليه السلام في القصور وعرف مفاسد الحكم والحكام عن كثب، وذاق من ويلاتهم كيدا وظلما واضطهاداًَ وسجنا وعاش بين ظهراني أمة وثنية تعبد الأصنام والأبقار والكواكب، فمن أين ينطلق للإصلاح ومن أين تكون نقطة البدء؟. هل يبدأ في الدعوة إلى الله وهو مسجون ظلما ويشاركه في السجن مظلومون مثله من إثارتهم وتهييجهم على الحكام الظلمة المستبدين، وهذا منطلق سياسي لاشك فيه والفرصة متاحة أمامه أو يبدأ بالدعوة من حيث انطلق آباؤه الكرام وعلى رأسهم إبراهيم خليل الله وإمام الدعاة إلى توحيد الله ومن حيث انطلق جميع رسل الله لاشك أن طريق الإصلاح الوحيد في كل زمان ومكان هو طريق الدعوة إلى العقيدة والتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده.
إذن فليبدأ يوسف من هذا المنطلق مقتديا بآبائه الكرام ومعتزاً بعقيدتهم ومحقراً ومندداً بسخف المشركين واتخاذهم أربابا من دون الله من الأصنام والأبقار والكواكب.
وبعد هذا البيان الواضح والدعوة الصارخة إلى التوحيد ونبذ الشرك يؤكد دعوته وحجته بقوله:{إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ}[٢٨] ثم يفسر هذه الحاكمية بتوحيد الله وعبادته وحده {أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} ، ويقول عن التوحيد {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .
ويصل يوسف عليه الصلاة والسلام إلى أعلى منصب في هذه الدولة [٢٩] وهو يدعو إلى توحيد الله ويقيم على دعوته ونبوته البينات. قال تعالى في بيان هذه الأمور:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ. قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(يوسف: ٥٤- هـ ٥) .