وخلاصة هذا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما جاؤا لإسقاط دول وإقامة أخرى، ولا يطلبون ملكا ولا ينظمون لذلك أحزابا وإنما جاؤا لهداية البشر وإنقاذهم من الضلال والشرك وإخراجهم من الظلمات إلى النور وتذكيرهم بأيام الله ولو عرض عليهم الملك لرفضوه، ومضوا في سبيل دعوتهم، وعرضت قريش الملك على رسول الله فرفضه وقد عرض عليه أن يكون ملكا نبيا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا. عن أبي هريرة رضى الله عنه قال:"جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل فقال جبريل: إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة، فلما نزل، قال: يا محمد! أرسلني إليك ربك قال: أفملكا نبيا يجعلك أو عبدا رسولا. قال جبريل: تواضع لربك يا محمد، قال: بل عبداً رسولا"[٨٥] .
ومن هنا ما كان يبايع الأنصار وغيرهم إلا على الجنة وكانت بيعة الأنصار في أحلك الظروف وأشدها فما كان فيها وعد بالمناصب لا الملك ولا الإمارات ولا بالمال وبغير ذلك من حظوظ العاجلة. عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:"إني من النقباء الذين بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل النفس التي حرم الله، إلا بالحق، ولا ننتهب، ولا نعصي- بالجنة".