ومن هنا أيضا كان يربي أصحابه على القرآن والسنة وعلى الإيمان والصدق والإخلاص لله في كل عمل بعيداً عن الأساليب السياسية والإغراء بالمناصب العالية. فما كانَ يمنى أحداً منهم قبل دخوله في الإسلام أو بعده بمنصب في الدولة هذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه أحد عظماء الصحابة وأقواهم شخصية ما كان يعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمناصب ولا تتطلع نفسه إليها حتى جاء يوم خيبر أي بعد عشرين سنة من البعثة فاجأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:"لأعطين الراية غداً رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات هو والصحابة يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها "وقال عمر رضي الله عنه: "ما أحببت الإمارة إلا يومئذ"[٨٨] .
لأي شيء تطلع هؤلاء الصحابة الكرام الإمارة نفسها أم لنيل هذه المنزلة العظيمة حب الله ورسوله؟ ولماذا كان عمر بن الخطاب لا يحب الإمارة لو كان رسول الله يحببها إليهم ويربيهم عليها ويمنيهم بها. بل كان ينفرهم منها ويحذرهم من الحرص عليها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة "[٨٩] ، وينهى عن طلبها والحرص عليها، عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال:"قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الرحمن! لا تسأل الإمارة. فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها"[٩٠] .