بل فوق كل هذه الأساليب يرسى قاعدة إسلامية تحرم المناصب على من يتعشقها ويحرص عليها، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:"دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي فقال أحد الرجلين: يا رسول الله أمِّرنا على بعضِ ما ولاك الله عز وجل. وقال الآخر مثل ذلك، فقال: إنا لا نولي على هذا العمل أحداًَ سأله ولا أحداًَ حرص عليه"[٩١] . وفي لفظ عند مسلم:"ما تقول يا أبا موسى أويا عبد الله بن قيس قال: فقلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل، قال: وكأني انظر إلى سواكه تحت شفته وقد قلعت، فقال: لن أو لانستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى، فبعثه إلى اليمن ثم أتبعه معاذاً "، وفي النسائي:"إنا لا نستعين في عملنا بمن سألنا".
قال الحافظ. قال المهلب:"الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض بذلك ووجه الندم أنه قد يقتل أو يعزل أو يموت فيندم على الدخول فيها- لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها، وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته. قال: ويستثنى من ذلك من تتعين عليه كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره، وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال"[٩٢] .