إذن فالجريمة بحد ذاتها كظاهرة اجتماعية، تعتبر في نظر الإسلام أمراً مسلما به، ولابد منه لأن الكمال لله سبحانه، والعصمة لله وحده. ولكن كونَ الجريمة ظاهرة لابد منها، لا يعني هذا أنه يسلم بوجودها وتترك في المجتمع لتنمو وتنتشر وتتكاثر دون أن تستنكر وتحارب، بل إن الإسلام وضع لها الحل السليم والعلاج الشافي والحكم العادل، فالإسلام يحارب تكاثر الجرَيمة وتصاعدها، إلا أنه من الأمور المسلم بها أنه لا يمكن بحَال من الأحوال أن يخلو مجتمع من جريمة، ولو كان ذلك ممكناً، لكان المجتمع النبوي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين، لكان هذا المجتمع أولى المجتمعات وأقريها إلى الخلو من الجريمة وأحراها بالقضاء عليها، إلا أنه من المعروف أن هذا المجتمع الطاهر النظيف قد وجدت فيه الجرائم على اختلاف أنواعها، فالإسلام لا ينظر إلى المجتمع الإنساني نظرة مثالية خيالية، تهدف إلى إنهاء الجريمة من الَمجتمع والقضاء عليها قضاء مبرماً، لأن من المبادئ الرئيسية أن الإنسان مبتلى بالخير والشر- والله سبحانه قد سلط عليه الشيطان، ابتلاءً وامتحاناً، فمادام الشيطان موجوداً، فالجريمة موجودة لأنه هو الذي يوسوس بها في نفس الإنسان، وهو الذي يدعوه إلى ارتكابها ويحسنها له {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً}(النساء: ١٢٠){قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}(الحجر: ٣٩-٠ ٤) .