التنبي هـ الثاني: فإن قيل قد ورد في الأثر عند أحمد وابن حبان والطحاوي من حديث أسماء بنت عميس قالت: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبى طالب. فقال:ٍ"لا تحدى بعد يومك" هذا لفظ أحمد. وفى رواية له ولابن حبان والطحاوي لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم تسلّي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت"[٧] .
قال العراقي في شرح جامع الترمذي: ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبى طالب بالاتفاق وهي والدة أولاده عبد الله ومحمد وعوف وغيرهم قال: "بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز"[٨] .
قيل الجواب عن هذا الاعتراض من وجوه:
الوجه الأول: ما ذكره العراقي نفسه بأن هذا الحديث شاذ ومخالف للأحاديث الصحيحة
وقد أجمعوا على خلافه. قال:"ويحتمل أن يقال إن جعفر قُتِل شهيدا والشهداء أحياء عند ربهم. قال وهذا ضعيف لأنه لم يرد في غير جعفر من الشهداء ممن قطع بأنهم شهداء كما قطع بجعفر كحمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر"[٩] .
فأنت ترى أنه حكم على الحديث بالشذوذ وحديث الشاذ ضعيف لا تقوم به حجة.
الوجه الثاني: ما ذكره الطحاوي من أن هذا الحديث منسوخ وأن الإحداد كان على المعتدة كذلك في وقت ثم أمرت بالإحداد أربعة أشهر وعشرا [١٠] .
وإن كانت هذه دعوى بلا دليل إذ أن النسخ لا يكون إلا بمعرفة التاريخ وهو تقدم المنسوخ وتأخر الناسخ إلا أن احتمال النسخ وارد هنا لأن حديث أسماء هذا متقدم في الغالب على أحاديث الإحداد الأخرى. فإن حديث أسماء هذا في غزوة موءته وهي في السنة الثامنة من الهجرة والنبي الكريم توفى في السنة الحادية عشرة لكن دعوى النسخ لا تثبت بالاحتمال.