والراجح عندي هو القول الأول صحيح أن العدد يذكر مع المؤنث ويؤنث مع المذكر إلا أن العرب تغلب اسم التأنيث في العدد خاصة على المذكر فتطلق لفظ الليالي وتريد الليالي بأيامها كما قال الله تعالى لزكريا:{آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً}[٢١] يريد بأيامها بدليل أنه قال في موضع آخر: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً} يريد بلياليها ولهذا لو قرر أحد اعتكاف العشر الأخيرة من رمضان لزمه الليالي والأيام معا. ويقول القائل سرنا عشرا يريد الليالي بأيامها فلم يجز نقلها عن العدد إلى الإباحة بالشك [٢٢] هذا إذا كانت عالمة بوفاته يقينا أما إذا شكت في وقت وفاته فإنها تعتد من الوقت الذي تستيقن فيه بموته لأن العدة يؤخذ فيها بالاحتياط والاحتياط هو الأخذ باليقين وفى الوقت المشكوك فيه لا يقين فلهذا لا تعتد إلا من الوقت المتيقن [٢٣] .
المطلب الثاني: في سبب وجوب الإِحداد:
عرفت قريباً أن الفقهاء مختلفون في وجوب الإحداد على من يجب واختلافهم في الجملة راجع إلى أمرين: المعتدة من الوفاة، والمعتدة من طلاق بائن. فالحنفية يتوسعون في الإيجاب فيوجبون الحداد في الأمرين معاً أعني المعتدة من الوفاة والمعتدة من الطلاق البائن البَينونة الكبرى، والجمهور يضيقون دائرة الإيجاب فيجعلونه خاصاً بالوفاة وتبعا لهذا الاختلاف يكون سبب الإيجاب.