الأمر الأول: ما ورد في قصة سبيعة نفسها من مخالفة ظاهرة لهذا الحديث وهي رواية صحيحة لا مطعن في صحتها ولفظها عند البخاري كما ورد في رواية يونس عن الزهري وهو أن عمر بن عبد الله بن الأرقم كتب إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحرث أخبرته أنها كانت تحت سعد ابن خوله فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلما تعلّت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال: "مالي أراكِ تجملتِ للخطاب؟ فإنكِ والله ما أنتِ بناكح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرا". قالت سبيعة:"فلما قال لي ذلك جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج"[٤٧] .
فظاهر هذه الرواية يخالف ما قبلها وذلك أن ما قبلها يفيد أنها مكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم وظاهر هذه الرواية يفيد أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال فإنها قالت جمعت علي ثيابي حين أمسيت وهذا يدل على أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم نفسه فإذا كان الأمر كذلك فالحديث لا يكون دليلا على محل النزاع وإنما يصار إلى الأدلة التي تخالفه كما سيأتي:
والجواب عن هذا الاعتراض بأن الجمع ممكن هنا وهو أولى لأن فيه أخذٌ بالأدلة جميعا وبيان ذلك هو أن نحمل هذه الرواية وهي قولها:"حين أمسيت"على إرادة توجهها ولا يلزم منه أن يكون في ذلك اليوم الذي قال لها فيه ما قال [٤٨] . بذلك تجتمع الأدلة ويحصل الأخذ بها جميعا.
وما كان في الصحيحين مقدم على غيره عند التعارض وعدم إمكان الجمع.