الوجه الأول: ما ذكره القرطبي بعد ما ذكر ما في المسألة من خلاف حيث قال بعد إيراد دليل المخالفين للجمهور "والجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول وهذا نظر حسن لولا ما يعكر عليه من حديث سبيعة الأسلمية وأنها نُفِست بعد وفاة زوجها بليال وأنها ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تتزوج فبين بالحديث أن قوله تعالى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} محمول على عمومه في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن فتكون عدتهن بوضع الحمل ويعتقد هذا بقول ابن مسعود من شاء باهلته أن آية النساء الصغرى نزلت بعد آية عدة الوفاة وليس الأمر كما زعم بعض من زعم من أن كلام ابن مسعود يفيد أن آية الطلاق ناسخة لآية البقرة وإنما يعني كلام ابن مسعود أن آية الطلاق مخصصة لآية البقرة فإنها أخرجت منها بعض ما تناولتها وكذلك حديث سبيعة متأخر عن عدة الوفاة لأن قصة سبيعة كانت بعد حجة الوداع وزوجها هو سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدراً توفى بمكة حينئذ وهى حامل وهو الذي رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفى بمكة [٦٠] .
فكلامه يفيد أن عموم آية البقرة مخصوص بقوله تعالى {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} لا منسوخا بدليل قصة سبيعة المتفق على صحتها وتخصيص العام وتقييد المطلق أمر شائع عند الأصوليين ولا ضرورة هنا للجمع وهو ما اعتمده أصحاب القول الثاني لأنه تعارض بين النصوص فهذا عام وهذا مخصص فيحمل العام على الخاص ويخرج من عمومه ما دل عليه هذا الخاص.
أضف إلى هذا ما قاله أبو عمر بن عبد البر تعقيبا على هذه المسألة "لولا حديث سبيعة لكان القول ما قال علي وابن عباس لأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل والمتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين [٦١] .