الوجه الثاني: لو سلمنا بوجود التعارض وعدم التخصيص لم نسلم بأن آية البقرة عامة لأنه تقرر في الأصول أن الجموع المنكرّة لا عموم فيها وآية البقرة من ذلك القبيل فلا إشكال.
الوجه الثالث: لو سلمنا بالعموم وسلمنا بالتعارض وعدم التخصيص لم نسلم بأن عدة الحامل المتوفى عنها لا تنقضي بوضع حملها بدليل آخر وهو ما تفيده الأحاديث الصحيحة الصريحة فإنه لا يمكن التخلص منها بوجه من الوجوه [٦٢] .
هذا ما يمكن أن يجاب به عن هذا الاستدلال والحق صراح لا غبار عليه وإن اشتبه أحيانا في بعض المسائل الفرعية لتكافؤ الأدلة إلا أن هذا المعنى لا يوجد هنا ولهذا فإن الراجح عندنا هو القول الأول لما ذكرنا من الكتاب والسنة والآثار المروية عن بعض الصحابة والمعقول وقصة سبيعة نص في هذا المعنى وهي قصة صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما وهي كافية في الاستدلال بوضع حملها لو لم يوجد غيرها زد على هذا أن أئمة الفتوى أجمعوا على أن المطلقة الحامل تنقضي عدتها فأي فرق بين هذه وتلك؟. وأيضا مما يرجح مذهب الجمهور أن الآيتين وإن كانتا عامتين من وجه خاصتين من وجه فكان الإحتياط أن لا تنقضي العدة إلا بآخر الأجلين لكن لما كان المعنى المقصود الأصلي من العدَة براءة الرحم ولاسيما فيمن تحيض فإنه يحصل المطلوب بالوضع وهو ما دل عليه حديث سبيعة ويقويه قول ابن مسعود في تأخر نزول آية الطلاق عن آية البقرة [٦٣] .
وكذلك يترجح مذهب الجمهور بما روي عن أبيّ بن كعب قال قلت يا رسول الله {وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها زوجها فقال:"هي للمطلقة وللمتوفى عنها زوجها "رواه أحمد والدارقطني.