"وأجاز مالك الشهادة على الخطوط..... وذكر ابن شعبان عن ابن وهب أنه قال: لا آخذ بقول مالك في الشهادة على الخط، وقال الطحاوي خالف مالك جميع الفقهاء في ذلك وعدوا قوله شذوذا"[٥] .
يظهر من هذا النقل أن بعض الفقهاء يتحرجون من الإثبات بالكتابة ويرون أنها لا تصلح دليلا يعتمد عليه، وكما قدمت أن الشبهة التي يعتمد عليها هذا الفريق من الفقهاء في رد الدليل الكتابي هي تشابه الخطوط وإمكان محاكاتها وتزويرها، ولذا يجب على القاضي ألا يبني حكمه على مجرد الخط. ولعل هؤلاء يدور بخلدهم قصة عثمان رضي الله عنه والفتنة التي أدت إلى مقتله، فإن المتسببين في قتله- كما يحكي لنا التاريخ الإسلامي- قد صنعوا مثل خاتمه وكتبوا مثل كتابه فكان ما كان.
غير أن أدلة هؤلاء المانعين للإثبات بالكتابة تضعف تماما أمام الحجج الواضحة التي أوردها المجيزون للإثبات بالكتابة والتي تقوم- زيادة على ما قدمنا من ندب الله عز وجل لكتابة الديون بسبب القرض أو بسبب عقد مالي- على:
أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بكتبه ورسائله إلى الملوك وغيرهم وتقوم بها حجته، وفى الجامع للبخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى الروم قالوا: إنهم لا يقرءون كتابا إلا مختوما، فاتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة كأني أنظر إلى وبيصه ونقشه محمد رسول الله [٦] .
ثانيا: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"[٧] .
قال ابن القيم:"ولو لم يجز الاعتماد على الخط لم تكن لكتابة وصيته فائدة"[٨] .
ثالثا: كُتُب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل خيبر: "إما أن يدوا صاحبكم وإما أن تؤذنوا بحرب"[٩] .