يظهر من كلام الفقهاء أن إنكار الورقة الرسمية لا يقبل، غير أنه إذا طعن في الورقة الرسمية بالتزوير، وقال إنهم قد زوروا توقيعه أو توقيع القاضي أو ختم جهة الاختصاص، فللقاضي أن يحيل الأوراق إلى جهة الاختصاص أو أهل الخبرة للمضاهاة والإفادة بصحة الورقة أو التزوير، وهل يحكم القاضي بقول أهل الخبرة أن المستند صحيح؟ قيل لا يحكم لكون شهادتهم ليست شهادة على الحق، وقيل يحكم بذلك [١٥] . وعندي أن السير في الدعوى يتوقف على مدى اقتناع القاضي بصحة السند استئناسا بقول أهل الخبرة، ومدى قوة السند وأثره على الدعوى.
القسم الثاني: المستندات العرفية:
والمستندات العرفية هي الأوراق والمستندات التي لم تصدر من دائرة رسمية أو موظف مختص، وهي ككتابة المُقِر بخط يده أن لفلان عليه كذا، أو كتابة الوصية بخط الموصي من غير أن يُشهد على وصيته، وكذلك هبته لآخر من غير أن يقوم بتسجيل الهبة، ومن ذلك أيضا أن يجد الوارث في دفتر مورثه أن له عند فلان كذا، ومنه أيضا دفاتر التجار التي تبين تعاملهم ودائنيهم ومدينيهم.
والورقة العرفية حجة فيما تضمنته، ويجوز للقاضي أن يحكم بمقتضاها، فهي كالإقرار بالكتابة، والإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان عند الفقهاء. فمتى ما أقر الشخص بتوقيعه أو بخطه، أو أقر الوارث بأن هذاَ خط مورثه أو توقيعه أو كان ذلك الخط أو التوقيع معروفا ومشهورا فعلى القاضي أن يعمل بمقتضى هذا السند.
يقول ابن القيم:"والحديث المتقدم- أي حديث الوصية- كالنص في جواز الاعتماد على خط الموصي، وكتبه صلى الله عليه وسلم إلى عماله وإلى الملوك وغيرهم تدل على ذلك ولأن الكتابة تدل على المقصود فهي كاللفظ ولهذا يقع بها الطلاق.
قال القاضي: "وثبوت الخط في الوصية يتوقف على معاينة البينة أو الحاكم لفعل الكتابة، لأنها عمل، والشهادة على العمل طريقها الرؤية".