وقول الإمام أحمد وإن كان قد عرف خطه وكان مشهور الخط، ينفذ ما فيها، يرد على ما قاله القاضي، فإن أحمد علق الحكم بالمعرفة والشهرة من غير اعتبار لمعاينة الفعل، وهذا هو الصحيح، فإن القصد حصوله العلم بنسبة الخط إلى كاتبه، فإذا عرف ذلك وتيقن كان كالعلم بنسبة اللفظ إليه، فإن الخط دال على اللفظ واللفظ دال على القصد والإرادة " [١٦] .
ويقول في موضع آخر"وقد صرح أصحاب أحمد والشافعي بأن الوارث إذا وجد في دفتر مورثه أن لي عند فلان كذا، جاز له أن يحلف على استحقاقه وأظنه منصوصا عليها، وكذلك لو وجد في دفتره: إني أديت إلى فلان ماله عليّ جاز له أن يحلف على ذلك إذا وثق بخط مورثه وأمانته" [١٧] .
غير أننا نلاحظ اختلاف معاملة الفقهاء للورقة العرفية عن معاملة المستند الرسمي، إذ أنهم لم يقبلوا إنكار من كان السند الرسمي حجة عليه أما الورقة العرفية فقد جعلوا كتابته وتوقيعه كالإقرار، ولذا فإنه إذا أنكر إقراره أو قال إنه لم يوقع وليس هذا توقيعه فوجب على المدعي إثبات الإقرار بطريق آخر غير الورقة العرفية.
نخلص من هذا أنه يجوز الإثبات بالكتابة عموما، فإن كان المستند صادرا من جهة رسمية فهو حجة، وعلى مُدعي خلاف ما في السند إثبات بطلان هذا السند بالتزوير. أما إن كان السند عرفيا، فهو دليل على الحق غير أنه يجوز لمن كان السند حجة عليه أن ينكر دلالة هذا السند العرفي على الحق لكون الفقهاء عاملوا الورقة العرفية معاملة الإقرار، والإقرار يجوز الرجوع فيه، ولذا يمكن الطعن في هذه الورقة العرفية بإنكارها أو تزويرها.