"كان بعض الأعراب يذبحون الحاج وإن كان فقيراً لاستلاب ما معه، وكانوا يذبحون الحاج في رابعة النهار، ولم يسلم من أذاهم أحد، ولمَ يجدوا من يردعهم، فعاثوا فسادا، حتى كان المسلم يخرج وهو لا يدري أيعود إلى وطنه أم يقتله السفاحون"[١٤] .
وحتى أهل البادية، لم يكونوا في صفاء مع أنفسهم، كانوا متفرقين مختلفين، تزداد العداوة والبغضاء بينهم نُموا يوما بعد يوم، يقتل بعضهم بعضا لأتفه الأسباب، ويأكل القوي منهم الضعيف، تنشب المعارك الضارية، فيقتل منهم العشرات، لا ينامون على خير، بل يعدون للشر والانتقام، ويندفعون للتخريب لذلك لم يهدأوا ولم يأمنوا، وكانوا يسيرون في جماعات حاملين السلاح، وكأنما رجعت الجاهلية الأولى فاشتعلت نار الفتن، وتقطعت الأرحام وتواثبوا في الأسواق، وعلى حدود القبائل، وخاف بعضهم بعضا، فحملوا السلاح ليلا ونهارا.
يقول صاحب كتاب "عنوان المجد":
"كانت الفتن مستمرة، والغارات دائمة بين القبائل ففي ١٢٣٩ هـ وقعت فتن وقتل رجال، وأخذت أموال من كل بلد وناحية من القصيم والعارض والخرج والجنوب وغير ذلك.
وكان بعض القَبائل يغير على القرى والمدن ففي ١٢٣٧ هـ مثلا أغارت بوادي سبيع على- قرية- منفوحة، وأخذوها عنوة ونهبوا وسلبوا النساء، وقطعوا الثمار واستولوا على البلد ... وعم القتل في هذه السنة في القصيم وسدير والوشم والعارض والخرج والجنوب" [١٥] .
وهكذا فقد ساد الجزيرة فوضى، رجع الناس بسببها إلى ما كان قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.