استرشد الملك عبد العزيز برأي الدين في معالجة كل أموره، وبما هداه الله إليه من عمل، ووهبه من ذكاء وخبرة، لم يلجأ رحمه الله في أول الأمر إلى القوة واستخدام السيف للخارجين على الدين، والعابثين في الأرض فسادا، وكان الخطر الداهم على البلاد من البادية، لأن أهلها جُبلوا على عادات وطباع خاصة، هم في حاجة إلى علاج ناجع يحسم الداء، ويجعل منهم مجتمعا صالحا للحياتين.
لقد رأى أن هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، وأن لهذا الدين سحراً عجيباً في قيادة الناس على اختلاف مشاربهم وحياتهم، وأنه هو الذي صنع من أهل البادية أعظم أمة عرفها التاريخ، وأن الناس حينما تخلوا عن مبادئ هذا الدين الحنيف، تخلى الله عنهم فتاهوا في الظلمات سنين طويلة، أما وقد وفق الله لإقامة شعائر هذا الدين، فقد رأى الإمام والملك المصلح- رحمه الله- تبصير أهل البادية بأمر دينهم، وجمع كلمتهم على هدى الإسلام.
لقد أرسل إليهم من يبصرهم بأمر دينهم، ويرشدهم إلى الطاعات، فكان في كل قبيلة من قبائل البدو الرحالة والمستقرة من يعلم الناس أصول هذا الدين القويم، ويوجههم إلى ما ينفعهم في حياتهم، ويجيب عما يسألون عنه في أمور الدنيا والآخرة، فالتفوا حوله، وشغلوا بالعمل الصالح، وأصبح له مكانة كبيرة في نفوسهم، وصار يخطب لهم يوم الجمعة وكل المناسبات الدينية كالعيدين والاستسقاء وغيرهما، ويصلي بهم، ويعلم أبناءهم، ويفتي كبارهم، ويعقد الزواج، وبقسم المواريث، ويتوسط في حل المشاكل.