ذلك هو مضجع ذلك البطل الكبير الذي لا يكتسي إلا بثوب بسيط من القطن، وقد كان يستطيع بما وهبه الله من جاه ومال ومنزلة في القلوب ألا يكتفي بتوسد الفراش الوثير فحسب، بل حبات القلوب أيضا، وأن يحوط نفسه بالخدم والحشم والممرضات ليلا ونهارا، ولكنه عبد العزيز المتقشف الذي لا تأخذه بهارج الحياة" [٢١] .
راح- رحمه الله- يبحث عن وسائل الرقي والنهوض بهذه الأمة، فما عرف شيئا فيه مصلحة إلا دعا إليه، ولا عرض عليه أحد رجالاته موضوعا صالحا إلا ناقشه ونفذه، ولم يكن متعجلا في طريقة الإصلاح، بل كان كعادته يفضل التؤدة والتأني وتعرف استعداد الشعب لما يريد من الإصلاح.
كان يعتقد أنه بهذه الطريقة سيأتي اليوم الذي تبلغ به الجزيرة أسمى آيات التقدم والرقي في ظل عقيدة التوحيد، وقد كان ... فما نرى شيئا. من النهضة العظيمة في جميع المجالات إلا وهو يدين بالفضل لبانيها ومؤسسها المصلح العظيم- رحمه الله-. إن النهضة الإصلاحية التي قام بها هذا الرجل الكبير تحتاج إلى مجلدات ضخمة ولكن نورد بعضا منها لنَستدل به على العقلية الموهوبة، والمتفتحة على كل معالم الحياة بلا حدود، والضاربة بعمقها في كل المجالات، والمحوطة بالرعاية والتوفيق من الله.
كانت البلاد مترامية الأطراف، بعيدة الأماكن والبلاد، ووسائل الاتصال بها بطيئة، فأمر رحمه الله بربط أجزاء البلاد بعضها ببعض بشبكة من المحطات اللاسلكية فكانت وحدة متقاربة الأطراف والثغور، يستطيع أن يتصل بها في أي وقت بالليل أو النهار، وفي دقائق معدودة.
وقد سمح- وهو راض مسرور- للرعية بأن يستعملوا السيارات، وأن يقتنوها ويسيروا بها في طول البلاد وعرضها ولقد كانت من قبل ذلك محرمة، فلم يسمح لأحد من أفراد الرعية باقتنائها أو الاستفادة منها.