وعلى ذلك فما على المؤرخ إلا أن يعد عدته ويأخذ من القرآن ما يحتاج إليه في تدوين الأحداث التاريخية موقنا بأن هذا الكتاب أصدق وثيقة على وجه الأرض، وأنه قد سما بنظراته العلمية والتاريخية عن الارتباط بحوادث تاريخية أو قضايا علمية مشكوك في صحتها [١٧] .
على أن القرآن لم يفصل كثيرا من الحقائق عن المسائل الشرعية إذ ترك مسألة التفاصيل للرسول - صلى الله عليه وسلم - ليوضح ما غمض، وليفصل ما أجمل وليحلل ما أوجز. ومن هنا تأتى أهمية السنة المطهرة في التشريع الإسلامي. فإذا كانت هذه هي حال القرآن تجاه الأمور الشرعية، فمن الأولى أن يكون ذلك كذلك بالنسبة للتاريخ.
ولنا أن نتساءل لماذا لم يتناول القرآن الأحداث التاريخية بالأسلوب التاريخي المعهود؟ وفيما قدمت آنفا فإن من أهداف التنزيل دعوة البشرية إلى الحق وإلى سلوك النهج القويم. فالقرآن يتناول الأحداث بأسلوب إجمالي لأغراض الدعوة والإنذار والتبشير. ويتبع نفس الأسلوب وهو الإشارات الإجمالية في ذكر آيات الكون التي تشير إلى حكمة الله وراء خلق العالم [١٨] .
هذا ويمكن أن نقسم هذا الموضوع إلى فترتين متميزتين: الأولى عن القرآن وتاريخ الأمم السابقة، والثانية عن القرآن والحقبة الإسلامية. ولأن الحقبة الإسلامية قريبة منا نسبيا إذا ما قارناها بتاريخ الحضارات السابقة، وأن تاريخها قد سجل في كتب السيرة وكتب التاريخ الإسلامي عامة، فإني سأكتفي بالحديث في هذا المقام بما تيسر لي عن العهود القديمة السَابقة للإسلام.